القائمة الرئيسية

الصفحات

مفهوم العلامة اللسانية ومكوناتها عند فيردناند دوسوسير

 


تعد العلامة اللسانية مفهوما مركزيا في لسانيات دوسوسير ذلك لأنها الوحدة الأساسية في تعريفه للغة، فهي عنده نظام من الإشارات المعبرة عن الأفكار. و ثنائية الدال و المدلول هي من أهم الثنائيات التي تقوم عليها نظريته اللسانية . وقبل تحديد مفهوم العلامة اللسانية، انتقد دوسوسير الفكرة التي ترى أن اللسان هو قائمة من الكلمات المناسبة لعدد من الأشياء، فهو يرفض أن تكون الكلمة مجرد رابط يجمع بين اسم و شيء و يُرجع ذلك إلى ثلاثة أسباب:

_ تفترض هذه الفكرة أن الأفكار جاهزة و سابقة في الوجود على الكلمات.

_ لا توضح إن كانت الكلمة ذات طبيعة صوتية أم هي ذات طبيعة نفسية، لأنه يمكن النظر إلى الكلمة انطلاقا من المظهر الأول أو الثاني .

_ يجعلنا هذا التصور نفكر أن الرابط الذي يجمع بين الاسم و الشيء عبارة عن عملية في منتهى البساطة، و هو أمر بعيد عن الحقيقة و الواقع .

 ومع ذلك فهذه النظرية التبسيطية يمكن أن تقربنا من حقيقة أن الوحدة اللغوية هي عبارة عن شيء مزدوج يتكون من التقريب بين عنصرين[1]

 وقد جاء فيردناند دوسوسير بتعريف بديل يرى فيه أن العلامة اللسانية لا تربط بين اسم و شيء، بل بين متصور ذهني Concept  و صورة أكوستيكية image acoustique    ليس المراد بالصورة الأكوستيكية الصوت المادي الفيزيائي المحض، إنما هو الأثر النفسي الذي يتركه هذا الصوت في الذهن أي التمثل الذي تصوره لنا حواسنا[2]

و بتعريفه هذا فقد وضع دوسوسير تحديدا دقيقا للعلامة فهي " لا تربط اللفظ بالشيء الموجود في العالم الخارجي ربطا مباشرا، أي أنها لا تربط الشيء المسمى بالاسم، بل تُسند للشيء الموجود في العالم الخارجي صورة مفهومية Image conceptuelle تقابلها صورة سمعية، ليست الصورة السمعية هي الصورة الصوتية المادية فحسب، و لكنها الانطباع الذي تثيره هذه الصورة في أنفسنا" [3] فمثلا كلمة )رجل( هي علامة لسانية تتكون من صورة سمعية، و هي التمثل النفسي لتتابع الأصوات )ر،ج،ل(، و تصور ذهني و هو المفهوم العام للكلمة ك: إنسان، حي، ذكر، عاقل، ناطق .


ولتتضح لك الصورة أكثر بخصوص مفهوم العلامة اللسانية يمكنك الإطلاع على  مفهوم العلامة اللسانية وطبيعتها


فالعلامة اللسانية إذا لها وجهان، حيث أن الصورة السمعية تستدعي بالضرورة التصور الذهني و العكس صحيح، و هكذا فالتتابع الصوتي وحده لا يشكل علامة لسانية، و المفهوم أيضا وحده لا يشكلها، و الإتحاد بينهما هو ما يشكل العلامة اللسانية .

 

علامة لسانية =  مفهوم +  صورة سمعية

 

و من أجل رفع الالتباس الذي يصاحب بعض المصطلحات القديمة اقترح دوسوسير استبدالها بأخرى أكتر وضوحا، فقام بالإبقاء على مصطلح علامة و تعويض مصطلحي المتصور الذهني و الصورة الأكوستيكية، على التوالي بالمدلول Signifié و الدال Signifiant .

الدال - Signifiant : هو الصورة السمعية أو تتابع الأصوا ت التي ندركها عن طريق الأذن ، فهو الشكل الملموس للعلامة و هو كيان يحل محل شيء آخر.

المدلول - Signifié : هو المتصور الذهني Concept و الذي نملكه عن شيء ما في العالم الخارجي، إنه ليس الشيء، إنه الصورة المجردة التي يمنحها اللسان إلى الشيء عبر التعيين و التسمية، فالشيء لا يحضر في الذهن من خلال ماديته، إنه يأتي إليه من خلال بنية شكلية تعد تكثيفا لمجموعة من الخصائص التي تمكننا من استحضار هذا الشيء وفق سياقات متعددة . [4]

ما يمكن استنتاجه من تعريف سوسير للعلامة هو أنها حقيقة مادية محسوسة، تتكون من دال )صورة سمعية ( يثير في العقل مدلولا )صورة ذهنية (  لشيء موجود في الواقع. فالعلامة اللسانية عنده لا توجد بين شيء و اسم لكنها تربط بين مفهوم و صورة سمعية يستدعي كل واحد منهما الآخر.

و الملاحظ في تعريف دوسوسير للعلامة أنه أقصى المرجع Le référent و هو الشيء الموجود في العالم الخارجي كمكون من مكونات العلامة اللسانية. فقد أنكر العلاقة القائمة بين العلامة اللسانية و الموضوع الخارجي الذي تشير إليه، و هو ما يعرف في اللسانيات ب مبدأ الإحالة Référence إذ يقر بعدم إحالة العلامات اللسانية إلى الموجودات في العالم الخارجي، فكما سبق الذكر العلامة لا تربط بين شيء و اسم دال عليه .

 لكن لم أهمل دوسوسير المرجع ؟

 للجواب على هذا السؤال، نورد ملاحظة أبدتها "سوزان لانجيه" بهذا الخصوص مستعملة مصطلح الرمز في حديثها عن العلامة فتقول: " ليست الرموز نائبة عن الموجودات التي تربط بها، إنما هي تحمل تصور الموجودات... عندما نتكلم عن الأشياء نملك تصورات عنها، لا نملكها هي. و ما تعنيه الرموز مباشرة هي التصورات و ليس الأشياء. تستحضر الكلمات عادة سلوكا تجاه التصورات، هذه هي عادة سيرورة التفكير." و تضيف " إنك إذا قلت )نابوليون( فإنك لا تنحني أمام فاتح أوروبا و كأنه حاضر أمامك إنما تفكر فيه فقط"[5]




[1]  فردناند دي سوسير، دروس في الألسنية العامة. تر صالح القرمادي ، 1985 الدار العربية للكتاب ص 109 110 .

 نفسه ص 110[2]

[3]  مصطفى غلفان، في اللسانيات العامة . 2010 . بيروت : دار الكتاب الجديد المتحدة، الطبعة الأولى.ص 230

 

[4]  سعيد بن كراد، السيميائيات مفاهيمها و تطبيقاتها. 2012 ، اللاذقية سورية: دار الحوار للنشر و التوزيع، ط 3 ص 77

[5]  عن: دانيال تشاندلر، أسس السيميائية. تر: طلال وهبة، 2008 بيروت: المنظمة العربية للترجمة، ط 1 ص 50 51 ..

تعليقات

المحتويات