القائمة الرئيسية

الصفحات

قوانين التعلم حسب النظرية السلوكية

 

قوانين التعلم حسب النظرية السلوكية

   صاغ السلوكيون عددا من مبادئ التعلم اعتمادا على نتائج الدراسات التجريبية التي قاموا بها، وأجريت عليها العديد من التعديلات في ضوء المستجدات البحثية التي توصلوا إليها.



 قانون الاستعداد أو التهيؤ.

   ينص هذا القانون على أنه لابد من وجود استعداد ورغبة قبلية للتعلم لدى الفرد، فالرغبة في الإشباع هي التي تؤدي إلى تقوية الاستجابة بينما عدم توفر الاستعداد لا يؤدي إلى تقوية الاستجابة، بالتالي فالاستعداد لإصدار سلوك أو استجابة معينة يتم وفق باعث أو دافع. فهو يحدد ميل المتعلم إلى الشعور بالرضا أو الضيق نتيجة لعملية التعلم، فوجود حالة من الاستعداد لدى المتعلم يعني ذلك أن لديه رغبة قوية لتنفيذ الاستجابة المطلوبة، في حين عدم توفرها يؤدي إلى عدم تنفيذها.

ولقد فُسر هذا المبدأ بدلالة حالة الوصلات العصبية من حيث قابليتها للتوصيل أو عدمه، وهي ثلاث حالات[1]

-       أن تكون الوحدة العصبية في حالة استعداد وتهيؤ للسلوك، فتقوم بعملها المتمثل في التوصيل العصبي، مما يجعل الكائن في حالة ارتياح ورضا. أي أنه إذا كان الفرد مستعدا للقيام بعمل ما و وجد ما يشجعه على ذلك ، فإن هذا العمل سوف يتم تنفيذه على نحو جيد، و يترتب عليه شعور الفرد بحالة الرضا.

-       أن تكون الوحدة العصبية في حالة استعداد وتهيؤ للسلوك لكنها لم تمارس عملها في التوصل العصبي، مما يجعل الكائن الحي في حالة ضيق وعدم رضا. بمعنى أنه إذا كان لدى الفرد قابلية واستعداد لتنفيذ استجابة ما حيال موقف معين، لكن أمرا ما حال دون ذلك، فإن تنفيذ مثل هذه الاستجابة ربما لا يحدث، مما يؤدي إلى انزعاج الفرد.

-       أن تكون الوحدة العصبية غير مهيأة للتوصيل العصبي ثم أجبرت على العمل، فيشعر الكائن الحي بالضيق وعدم الارتياح كما في الحالة الثانية. بمعنى أنه إذا لم يكن الفرد مستعدا للقيام بسلوك معين و أجبر عليه فمثل هذا السلوك ربما لا يحدث على نحو مناسب و تنشأ عن ذلك حالة من عدم الرضا.

إذا كان ثور ندايك يربط الاستعداد بحالة التهيؤ النفسي التي يمر بها المتعلم؛  فإن جانييه يرى أن هناك نوعين من الاستعداد هما:[2]

-       الاستعداد العام للتعلم المدرسي: هو امتلاك الفرد القدرة على الانتفاع من التعلم و التدرب، دون أن يعترضه عائق عقلي أو جسدي أو نفسي مما يؤدي إلى التقدم.  أي بلوغ الطفل المستوى اللازم من النضج الذي يؤهله للالتحاق بالصف الأول الابتدائي و يستطيع إتقان المهارات كالكتابة و القراءة

-       الاستعداد الخاص: هو قدرة المتعلم على تعلم موضوع ما مستفيدا من خبراته السابقة المتصلة بالموضوع، باعتبارها مستلزمات أساسية لا يتم التعلم بدونه. 

الاستعداد للتعلم إذا يشتمل على مجموعة الخصائص الموجودة عند الفرد مجتمعة مشكلة بذلك الأرضية التي إما أن تسهل التعلم أو تعيقه، وهو بذلك يعتبر بمثابة العنصر الفعال المساهم في إنجاح العملية التعليمية، وبغيابه تنطفئ العملية التعليمية ولا تحقق أي غاية، و هذا ما يفسر فشل عملية التعلم عند بعض الأفراد؛ و بناء على هذا المفهوم لكي يتعلم الطفل مهارة ما، ينبغي عليه امتلاك استعداد ذاتي لتحصيل تلك المهارة.

قانون الأثر

من أهم القوانين التي توصل إليها ثورندايك وتبناها سكينر فيما بعد، و ينص هذا القانون على" أن أي ارتباط قابل للتعديل بين موقف واستجابة يزداد إذا ما صاحبته حالة إشباع ويضعف إذا ما صاحبته أو أعقبته حالة ضيق."[3]

يعتمد الأثر على مبدأي الرضا و عدم الرضا، فعندما تتكون رابطة بين مثير معين واستجابة معينة، فإن هذه الرابطة تتقوى وتثبت إذا كانت مصحوبة بحالة ارتياح. أما إذا كانت هذه الاستجابة غير مشبعة ومصحوبة بحالة ضيق وانزعاج، فإن الرابطة تضعف ويقل احتمال حدوثها مرة أخرى.

 

الأثر الطيب ----يقوي الارتباط-----احتمال تكرار الفعل

الأثر السلبي----يضعف الارتباط------احتمالية ضعيفة لتكرار الفعل

وقد تم تعديل هذا القانون فيما بعد ليقتصر فقط على دراسة الأثر الطيب الناتج عن المكافأة، والذي يقوي ويدعم الروابط العصبية بين المثير والاستجابة، واعتبار عدم الارتياح الناشئ عن العقاب لا يضعف بالضرورة هذه الروابط، ولكنه لا يقويها.

وفي تفسيره لهذا القانون استعاض سكينر  عن مفاهيم حالة الرضا و عدم الرضا كتوابع للسلوك لعدم وضوح مثل هذه المفاهيم، فاستخدم مفاهيم أكثر  دقة تتمثل في التعزيز و العقاب.

 قانون التكرار

يفيد هذا القانون أن التكرار يعزز عملية التعلم إذ "إن تكرار عملية الربط بين المثير المحدد والاستجابة المحددة، يؤدي إلى تثبيت الرابطة وتقويتها وبالتالي إلى تعلم أكثر رسوخا في أذهان الطلبة"[4].

   يعد التكرار من دعائم العملية التعليمية من حيث هو استمرار لفعل العلاقة القائمة بين المثير و الاستجابة، فالإنسان يحتاج إلى تكرار الأداء المطلوب لتعلم خبرة ما حتى يتمكن من إجادتها. ويفيد تكرار المحاولة مرة بعد مرة إلى التقليل من الاستجابات أو السلوكات الخاطئة التي تضعف الوصول إلى الهدف، وزيادة إحتمالية ظهور الاستجابة الصحيحة. لكن يشترط حدوث الإشباع، ذلك أن الإستجابة تتكرر إذا أدت إلى تحقيق الإشباع على عكس الإستجابات الخاطئة التي تنطفئ في غياب الإشباع.

 و هنا لا نقصد التكرار الآلي الذي من شأنه أن يؤدي إلى جمود في عملية التعلم، ولكن التكرار الموجه المؤدي للكمال القائم على أساس الفهم و تركيز الانتباه و الملاحظة الدقيقة و معرفة معنى ما يتعلمه الفرد.

و يرى ثور ندايك أن لهذا القانون مظهرين هما[5]:

قانون الاستعمال:  الذي يشير إلى أن الارتباطات بين المثير و الاستجابة تقوى بفعل التكرار و الممارسة، بالتالي كلما زاد عدد مرات الممارسة قوى الارتباط.

قانون الإهمال:  يعني أن الارتباطات بين المثير و الاستجابة تضعف بفعل الترك و عدم الممارسة؛ أي أن التوقف عن التدرب من شأنه أن يضعف احتمال حدوث الاستجابة، و هذا ما يفسر لنا ظاهرة النسيان في السلوك الإنساني.

تعرض هذا القانون لمجموعة من الانتقادات أهمها تلك التي ترى أنه يكرس مبدأ الآلية في التعلم. هذا ما جعل ثورندايك يعيد صياغة هذا القانون في ضوء قانون الأثر فتوصل إلى أن ممارسة الرابطة وتكرارها يقويها و يؤدي إلى تحسين التعلم إذا اتبع بالتغذية الراجعة.

 قانون التعميم

هو عملية عقلية معرفية، و يقصد  بها تقديم استجابة مماثلة لعدد من المثيرات المتشابهة، أو هو "الاستجابة لمثير يشابه المثير الشرطي"، و تختلف قوة الاستجابة بمدى قوة الشبه بين المثير الجديد و المثير الأصلي و قد أطلق عليه بافلوف اسم "انتشار الأثر"، فبعد أن يتعلم الكلب الاستجابة لقرع الجرس بإفراز اللعاب فإنه يستجيب بعد ذلك بإفراز اللعاب عند سماعه لأصوات مشابهة لصوت الجرس.

إن هذا المبدأ إجراء تكيفي يلجأ إليه في بداية التعلم، عندما تكون الخبرة قليلة و نجده كثير الانتشار في السلوك الإنساني، فالإنسان الذي تلسعه نحلة ينظر إلى جميع الحشرات وكأنها قادرة على إحداث الألم الذي تسببه النحلة.

الطفل الذي يشعر بالخوف من مدرسه في الصف الأول يعمم هذا الشعور تجاه غيره من المدرسين، و كذلك في حالة تعلم الطفل الخوف من بعض الحيوانات؛ فاستجابة الخوف تظهر عليه حينما يشاهد الحيوانات الأخرى المشابهة لعدم قدرته على التمييز بين المثيرات في الموقف السلوكي .

 قانون التمييز

هو قانون مكمل لقانون التعميم فإذا كان التعميم استجابة للمثيرات المتشابهة، فإن التمييز استجابة للمثيرات المختلفة، بمعنى أن الكائن الحي يستطيع في هذه العملية أن يميز بين المثيرات الموجودة في الموقف بشكل لا يصدر الاستجابة إلا للمثير المعزز وبالتالي لا تبقى إلا الاستجابة المعززة بينما تنطفئ الاستجابات الأخرى غير المعززة[6].

إذا تم تدعيم الاستجابة للمثير الشرطي الأصلي وحده دون المثيرات الأخرى المتشابهة، فإن الكائن الحي يتعلم عدم الاستجابة لتلك المثيرات المتشابهة .

هذا ما يجعل مبدأ التمييز مكملا لمبدأ التعميم ومتقدما عليه، فالطفل لا يقوم بعملية التمييز إلا بعد مرحلة متقدمة من النمو والتعلم، فبعد أن كان يعمم استجاباته للمواقف في مراحله العمرية الأولى، يبدأ بالقدرة على التمييز بين المواقف السلوكية في المراحل التالية، وتكون استجابته للمثير المعزز أقوى من باقي المثيرات المشابهة.

الطفل الذي يخاف من حيوان معين في صغره يعمم خوفه على جميع الحيوانات المشابهة، لكن مع تقدمه في النمو يبدأ في إصدار استجابة الخوف فقط لنفس نوع الحيوان وليس جميع الحيوانات المشابهة له، وكلما تقدم في العمر يصبح التمييز أكتر دقة.

 قانون التدعيم أو التعزيز.

تبين لبافلوف من نتائج تجاربه على الكلاب أن الاستجابة الشرطية لا تكون إلا إذا اقترن المثير الطبيعي بالمثير الشرطي، أي اقتران الطعام بالجرس ، "أي أن يُحدث المثير الأصلي تعزيزا للمثير الشرطي لكي يعمل على تقويته وتدعيمه ليصبح قادراً على استدعاء الاستجابة الشرطية، وكلما زاد عدد مرات التعزيز (تقديم المثير الأصلي بعد المثير الشرطي أثناء التدريب)كلما قوى الارتباط بين المثير الشرطي والاستجابة الشرطية، وكلما زادت قوة الاستجابة المتعلمة"[7]

التعزيز إذا هو الحادث أو المثير الذي يؤدي إلى زيادة احتمال تكرار حدوث الاستجابة، أي عملية تحفيز الفرد لتكرار السلوك، أو للتوقف عنه. ويقسم التعزيز إلى نوعين رئيسيين حسب سكينر هما:

التعزيز الإيجابي: وينشأ نتيجة تقديم معزز موجب يعمل على استمرار أداء الاستجابة الصحيحة المرغوب تعلمها فهو مثير مرغوب يتبع السلوك ويزيد من احتمال تكراره. كأن نسمح للطفل بمشاهدة برنامجه المفضل بعد أن يتمم واجباته، ما يجعله يقوم بها كل يوم، أو أن يتم مدح الطالب المجد مما يدفعه إلى مزيد من الاجتهاد.

التعزيز السلبي: عبارة عن مثير، أو ظرف يؤدي توقف تقديمه، أو استبعاده إلى زيادة أو تدعيم قوة الاستجابة، ويحدث التعزيز السالب بصورة نموذجية عند وقف تقديم أو استبعاد مثير منفر، والمثير المنفر عبارة عن مثير أو حدث غير مرغوب فيه أو مؤذ بالنسبة للكائن الحي[8]. فالمعززات السلبية هي بمثابة مثيرات منفرة يعمل الفرد على تجنبها.مثال الطفل الذي يدرس لاجتياز اختبار معين وعند حصوله على درجة جيدة، يعفيه والديه من القيام ببعض الأعمال المنزلية، أو الأنشطة التي لا يحبها.

 قانون الإنطفاء

هو عكس مبدأ التدعيم، و يعني التوقف عن الاستجابة للمثيرات التي لم تعد قادرة على إعطاء التعزيز، و هذا يعني أنه عندما يقدم مثير شرطي بصورة متكررة و لا يعقبه المثير غير الشرطي )الطبيعي( فإن الاستجابة لهذا المثير ) أي المثير الشرطي( تتوقف في نهاية الأمر و أطلق على هذا الأمر اسم انطفاء الاستجابة.

تكرار الاستجابة للمثير دون تقديم التعزيز، يكون نتيجته أن تبدأ الاستجابة بالتضاؤل والضمور ويقل معدل ظهورها، فالكلب  في تجربة بافلوف والذي تعود أن يسيل لعابه عند سماع الجرس، لا يسيل إن تكرر سماعه مرات كثيرة دون أن يتلوا ذلك تقديم الطعام. "وقد فُسر الانطفاء بأنه يعود إلى التعب الذي يعانيه الكائن من عمل الاستجابة من دون أن يحصل على التعزيز وبالتالي يقوم بالكف عن هذه العملية".[9] كأن يعد الأب طفله بهدية في حالة نجاحه، ما يجعله يبدل مجهودا كبيرا من أجل ذلك، إلا أن الأب لا يفي بوعده في كل مرة، فيؤدي هذا إلى عدم اهتمام الطفل  بالأمر مرة أخرى وضعف مردوده.

لكن ضمور الاستجابة واضمحلالها لا يعني بالضرورة زوالها نهائيا، فقد تعود للظهور مرة أخرى، فإذا قدم المثير الشرطي للكائن بعد انطفاء الاستجابة بفترة من الزمن تكفي لان يستريح الكائن فان الاستجابة تعود للظهور من جديد. وتعرف عملية عودة ظهور الاستجابة الشرطية بعملية الاسترجاع التلقائي، إلا أن الاستجابة في هذه الحالة تكون أضعف من الاستجابة الأصلية.



[1]  أنور محمد الشرقاوي، التعلم نظريات وتطبيقات. 2012، مكتبة الأنجلو المصرية، مصر. ص 56.

[2]   جودت عبد الهادي، نظريات التعلم وتطبيقاتها التربوية. 2006، دار الثقافة للنشر والتوزيع، ط1، ص22

[3]  مصطفى ناصف، نظريات التعلم دراسة مقارنة. 1983، عالم المعرفة، ص 20

[4]  كفاح يحيي صالح العسكري و آخرون، نظريات التعلم وتطبيقاتها التربوية. 2012، دار تموز للطباعة والنشر،  دمشق. ط1، ص 57.

[5]  أنور محمد الشرقاوي، التعلم نظريات وتطبيقات. ص 54.55

[6]  أنور محمد الشرقاوي، التعلم نظريات وتطبيقات. ص 45.

[7]  كفاح يحيي صالح العسكري و آخرون، نظريات التعلم وتطبيقاتها التربوية. ص 39

[8]  المرجع السابق ص 20.

[9]  المرجع السابق ص 40.

تعليقات

المحتويات