القائمة الرئيسية

الصفحات

ثبوت العلامة اللسانية.Stabilité de signe linguistiques

 

  ثبوت العلامة اللسانية.

 


  إن العلامات عادة ما تميل إلى الثبوت، لأن ثمة قوى تعمل على منع التغير اللغوي، وتقاوم التبدل الاعتباطي، ومن بين هذه القوى كما يقول وترمان: الثورة المفرداتية الكبيرة، والبنية اللغوية المعقدة، والجمود الذي يميز اللغة، بالإضافة إلى كون اللغة ملكا للجميع، وأن جذورها ضاربة في عمق التاريخ ونحن ورثناها عن الأجداد، وما علينا إلا تقبلها[1].

 

يقول دوسوسير "لئن بدا الدال بالنسبة إلى الفكرة التي يصورها موضوع اختيار حر في الظاهر فإنه بالنسبة إلى المجموعة البشرية اللغوية التي تستعمله مخالف لذلك أي مفروض عليها لا حرية لها في اختياره، وذلك أنه لا يقع استفتاء الجمهور في شأنه البتة، ولا يمكن أن يعوض دال اختارته اللغة دالا آخر"[2] فإذا كان اختيار الدال بالنسبة للمدلول يتم بحرية مطلقة، فإنه ليس كذلك بالنسبة للمدلول يتم بحرية مطلقة فإنه ليس كذلك بالنسبة للجماعة اللغوية التي تستعمله في كل زمن، لأنه مفروض عليهم، وذلك لأنه يمثل جزءا من مجموع ما يرثونه عن أجدادهم، وينتقل إليهم من جيل إلى جيل فيصعب عليهم بذلك تغييره، فاللغة في الواقع هي دائما إرث من العصور السابقة، فلكل مجتمع لغة ورثوها عن أسلافهم. يقول سوسير في هذا الشأن "وفي الواقع فإن جميع المجتمعات لم تعرف اللغة ولا تعرفها إلا في صورة نتاج موروث عن الأجيال السابقة، عليها أن تقبله كما هو"[3].  

 

  فاللغة بطبيعة الحال ملك لمجموع الجماعة اللغوية التي تستعملها وتتحقق فعليا عن طريق العلاقات الاجتماعية القائمة بين الأفراد، فتؤدي إلى التواصل وتحقيق الكلام الفردي بين البشر. والكلام الذي ينطق به الأفراد بالفعل ينسجم من حيث المبدأ مع المعايير التي تفرضها اللغة على المجتمع. فاللغة هي حصيلة عوامل تاريخية، وأي تغييرات تطرأ عليها ماهي إلا نتيجة لعوامل تاريخية، هذه العوامل هي التي تفسر لنا ثبوت العلامة اللغوية ووقوفها أمام أي تغيير.

 

 وقد يعترض البعض عل قول أن اللغة هي إرث تاريخي، " فيجبرنا هذا الاعتراض إلى وضع اللغة في إطارها الاجتماعي، وإلى طرح المسألة كما تُطرح بالنسبة إلى سائر المؤسسات الاجتماعية الأخرى، فان نعرف كيف تتوارث الأجيال بعضها عن بعض سائر المؤسسات الاجتماعية، هذا هو السؤال الأشمل الذي يضم مسالة اللاتحول"[4].

 

و لأن اللغة ثابة فليس للفرد أي إرادة واعية في تغييرها وإنما هي حرية مبدئية تنشأ من فكرة الاعتباطية، ذلك أن الاختيار الحر لا يكون إلا عند وضع العلامة في نشأتها الأولى وقبل أن تصبح متداولة بين الناس، لأنها حين تدخل حيز الاستعمال تصبح ملك الجماعة اللغوية التي تحولها إلى لغة ثابتة طبيعيان لا يملك الفرد إزاءها إلا التقليد و الإتباع.

 

 ويطرح سوسير سؤالا مفاده لم كان العامل التاريخي مهيمنا في انتقال اللغة، ولم ينتفي معه حدوث أي تغيير لغوي مفاجئ؟

 

ومن الحجج التي قدمها دوسوسير للإجابة على هذا السؤال، هو أن تغير العلامة لا يرتبط مباشرة بتعاقب الأجيال، ذلك أن الأجيال لا تتراكم بعضها على بعض، بل هي متداخلة ومتشابكة وكل جيل من هذه الأجيال يتضمن أفرادا تتفاوت أعمارهم، لذلك يستحيل تغير اللغة لأنها تلقن للطفل في كل طور من حياته، ومنهم من يرى أن عدم إدراك الناس لقوانين لغتهم إلى حد كبير، يجعلهم غير قادرين على تغييرها، لهذا نجد أن كل شعب راض عن اللغة التي تلقاها.

 

  ويضيف دوسوسير بعض الاعتبارات الأخرى التي تتحكم في ثبوت العلامة:

 

اعتباطية الدليل

 

هذا المعطى والذي تعرفنا عليه مسبقا، نعلم انه يجعل اللغة في أمان من كل تغيير قد يطرأ عليها.

 

وفرة الدلائل اللازمة لتكوين أية لغة من اللغات

 

" فأنت تستطيع على أقصى تقدير إن شئت أن تعوض نظاما من أنظمة الكتابة يتكون من ثلاثين أو أربعين حرفا بنظام آخر"[5]فالملكة اللغوية التي يمتلكها الإنسان، تكفيه قدر المستطاع أن يستبدل نظاما كلاميا بنظام آخر أوسع وأشمل.

 

تشعب النظام اللغوي تشعبا مفرطا

 

إن اللغة هي نظام من العلامات، وهذه الخاصية تجعلها غير اعتباطية تماما، هذا ما جعل الناس غير قادرين على إلحاق أي تغيير بها، ذلك أن اللغة هي نظام معقد لا يستطيع الإنسان الوصول إلى معانيه إلا عن طريق إعمال الفكر، حتى وإن كان يستعمل هذه اللغة بشكل مستمر، فلا يمكنه الوصول إلى التغيير فيها، إلا إذا كان من المختصين والنحاة، ويرى دوسوسير أن جميع المحاولات التي سُعي فيها إلى تغيير اللغة باءت بالفشل.

 

مقاومة المجموعة وممانعتها لكل تجديد لغوي

 

يرى دوسوسير أن اللغة هي قضية تهم جميع أفراد الجماعة اللغوية، فانتشارها بين الأفراد وممارستهم لها طوال اليوم يجعلها عرضة لتأثير كل فرد فيها، ومن هذا يستحيل أن يحدث فيها أي انقلاب أو تغير.

إضافة أن للزمان دوره في استقرار اللغة وعدم تغيرها، لأنها تحتل مكانا فيه ومرتبطة به.


اقرأ أيضا: اعتباطية العلامة اللسانية

             مفهوم العلامة اللسانية وطبيعتها.

                    مفهوم العلامة اللسانية ومكوناتها عند فيردناند دوسوسير



[1]  أحمد مومن، اللسانيات النشأة والتطور. 2005 الجزائر: ديوان المطبوعات الجامعية. ط2 ص 128. 

[2] فردناند دي سوسير، دروس في الألسنية العامة ص 116.

[3]  نفسه

[4]  نفسه ص 117.

[5]  نفسه ص 119

تعليقات

المحتويات